الدرس الأوّل: العربيّة والمفاهيم الأساسيّة لحوسبة
اللغات الطبيعيّة
لتحميل الدرس في صيغة PDF اضغط هنا
(جميع حقوق التأليف والنشر محفوظة لمنصّة عين عربيّة وصاحبها د. منجي العمري)
|
أهداف الدرس :
·
استيعاب مفهوم الحوسبة computing باعتباره من أحدث اتّجاهات اللسانيات الحاسوبيّة والذكاء الصناعي.
·
التعرّف إلى المفاهيم اللسانية
والحاسوبية الأساسيّة التي تقتضيها حوسبة اللغات الطبيعية : (أنماط الحوسبة،
البرامج الحاسوبية، المعاجم الالكترونية، لغات البرمجة، المعالجة الآليّة، قواعد
البيانات...).
|
0- أسباب طرح قضيّة الحوسبة :
يشهد العالم اليوم ثورة رقميّة على أكثر من صعيد. فمنذ التسعينيّات تحوّل
الحاسوب إلى وسيلة تحكّم في كل شيء تقريبا. ويوما بعد
يوم لا تكاد تخلو آلة في أيّ مجال من بطاقة تحكّم صغيرة تحمل في طيّاتها حاسوبا
مدمجا يخزّن المعطيات ويقبل البرمجة ويصدر الأوامر بدقة متناهية (أدوات الإنتاج والقياس والاستكشاف والتعلم والاتصال
والنقل والطبّ والبحث والتوثيق والتخطيط...). لقد أصبح كلّ شيء في التقنية اليوم
محوسبا، وأصبحت الآلات الذكيّة لا تكاد تغيب عن مجال بما في ذلك الوسائل المتصل
باستخدام اللغة الطبيعيّة (الترجمة الآليّة، معالجة النصوص، تخزين المعطيات،
المعاجم الالكترونية، التعرف الصوتيّ...).
إنّ ظاهرة الحوسبة لا تتعلّق بمجرّد تطوّر تشهده آلة الحاسوب لتصبح صغيرة (microcomputer) وقابلة للنقل والدمج في وسائل تصريف الحياة
وتسهيل شؤونها اليومية بقدر ما يتعلّق بتحوّلات عميقة في تفكير الإنسان وأجيال
الحاسوب واستكشاف قدرات العقل في إخضاع الظواهر إلى فهمه في ميدان أشمل من
الحاسوبية وهو ميدان الذكاء الصناعي (Artificial Intelligence). هذا الميدان بدأ أوّل أمره بتطوير الآلة الحاسبة لتصبح ذات
قدرات حسابيّة عالية الدقة تفوق قدرات الإنسان الفرد ومن خلال ما يزوّدها به
الإنسان من خوارزميات تصبح قادرة على حل ما يعترضه من مشاكل وتسهيل نمط حياته
واستكشاف مختلف الظواهر الطبيعية. لكنّه انتهى في العديد من الظواهر إلى محاكاة
الذكاء البشري في الذهن/الدماغ فصار الحاسوب يحاكي دقّة ما يوجد في مخ الإنسان من
عمليّات حوسبيّة مغرقة في التعقيد.
إنّ الألسن البشريّة جزء من الظواهر الإنسانية والطبيعية التي يمكن أن
تساعد الحوسبة على دراستها ولذلك فهي ليست بمنأى عن هذه الثورة الرقميّة فقد أصبحت
دراسة مختلف جوانب اللغة الطبيعية الصوتية والدلالية والتركيبية هدفا للمعالجة
الآليّة لتسهيل تعلم اللغات وترجمتها ترجمة فورية ومخاطبة الآلة وتوثيق المعطيات
ومعالجة أمراض اللغة... ولذلك أصبحت اللسانيّات (بوصفها العلم الحديث المهتم بدراسة
اللغات الطبيعيّة دراسة علمية) تعطي أهمّية كبرى لاختصاص جديد يعرف باللسانيات
الحاسوبية (computational
linguistics). كما أنّ الحاسوبيّين يهتمّون
كثيرا بما تصل إليه اللسانيّات العصبيّة في وصفها لما يحدث في الجهاز العصبي أثناء
النشاط اللغويّ ليحاكوه ببرامج حاسوبيّة يزوّد بها الحاسوب.
1- جذور مصطلح الحوسبة بين الرياضيّات والتقنية :
ما هو المقصود بمصطلح "الحوسبة"؟ الحوسبة مصطلح مشتقّ من لفظ
الفعل to
compute (حَسَب/يَـحسُبُ أيّ عدَّ) وهو
نفس الجذر الذي اشتقّ منه اسم الحاسوب (computer) فهل تكون الحوسبة مشتقّة من الحساب
أم من الحاسوب؟
الحوسبة مصطلح يستخدم اليوم على نطاق واسع في اللسانيات والذكاء الصناعي. وهو مصطلح قديم
من جهة دلالته على العدّ في علم الحساب (الرياضيّات)(computation)
وحديث نسبيا (1989) من جهة دلالته على
استعمال الحاسوب في معالجة القضايا والإشكاليات في ميدان الذكاء الصناعيّ(computing). ولذلك فهو مفهوم يتردّد بين أصلين مختلفين
ولكنهما مترابطان: العدّ (الرياضيّات)/ والحاسوب(الذكاء الصناعيّ/التقنية):
· مفهوم الحوسبة (computation) مشتقا من
الحساب والعدّ والإحصاء (compter, calcul) : هو بذلك مفهوم متّصل بعلم الحساب (L'Arithmétique) ذلك الفرع التقليدي من الرياضيات المتعلّق بنظريّة الأعداد
الطبيعية والصحيحة وعمليات القسمة والضرب والجمع والطرح والجذر...). ومن الملاحظ
أنّ الحاسوب يشتغل منذ بداية اختراعه على مبدأ القيام بعمليات حسابية معقّدة في
وقت قصير جدا بناء على معادلات رياضية يزوّده بها المبرمج تسمّى خوارزميّة.
فالرياضيات وفرعه الحساب فيها يمثّل المنطلق الأوّل لفكرة الحاسوب.
·
مفهوم الحوسبة(computing) مشتقّا من آلة
الحاسوب (الحاسب الآلي Computer). فهذه الآلة قادرة على القيام بعمليات حسابية معقدة جدا ومعالجة المعطيات الدقيقة في
وقت يقاس باللحظات والثواني. ويقوم الحاسوب في نموذجه التقليدي على الخوارزمية هي
مجموعة من العمليات الرياضية والمنطقية المتسلسلة
هدفها تقديم حلّ لمشكل محدّد. وينبغي أن ندرك أنّ الحاسوب شهد أجيالا متعاقبة من
التطوير على صعيدي الآلة المادّية والبرامج التي يزوّد بها. وهذا ما ينعكس على
قدرته المتطوّرة على التعامل مع اللغات الطبيعيّة.
2- هل يوجد تصوّر واحد لمفهوم
الحوسبة ؟
إذا تأمّلنا مختلف استخدامات مصطلح
"الحوسبة" في البحوث العلميّة وفي لغة التخاطب اليوميّ المستخدمة في
مختلف مجالات الحياة فسنجد ثلاث تصوّرات أساسيّة بينها وشائج وصلات.
أ- ثلاث مفاهيم مختلفة ترتبط بمصطلح
الحوسبة:
·
الحوسبة (في كلّ المجالات) توسيع استخدام آلة الحاسوب وإدماجها
ضمن مختلف أدوات الإنتاج ووسائل الإدارة. فمع تطوّر الحاسوب من جهة صغر الحجم
وكفاءة البرامج والقدرة على استخدامه للتحكّم، صارت أغلب الآلات محوسبة أي تحتوي
على ما يشبه البرنامج الحاسوبيّ المدمج الذي ينظّم عملها (السيارة، آلة الإنتاج،
القفل، الهاتف...) فالحاسوب لم يعد يستخدم فقط كآلة منفصلة بل صار مدمجا في مختلف
أنواع الآلات. لذلك اشتقّ من الحاسوب مصدر "الحوسبة" تماما مثلما اشتقّ
"الترييض" من الرياضيّات ويقصد به إدخال منهجيّة الرياضيات في سائر
العلوم كالفيزياء والكيمياء. ومثل "المكننة" التي يقصد بها إدخال الآلة
في المصانع لتعويض الأشغال اليدويّة التي عادة ما يقوم بها العمّال.
·
الحوسبة (مجال الذكاء الصناعيّ): طريقة الحاسوب في معالجة
المعلومات وحل الإشكاليات (نظريّات الحوسبة). فلكل نمط من الحواسيب طريقة في
الاشتغال ومعالجة المعلومات. ذلك أنّ الحواسيب لا تعتمد على نفس الطريقة في
الاشتغال والعدّ calculation وتخزين المعلومات ومعالجتها.
بل توجد أنماط عديدة (حوسبة رقمية، تماثلية، بيوكميائيّة... ).
·
الحوسبة (مجال اللسانيّات) : عمليات عصبيّة ذهنية مجرّدة في مخ
الإنسان تقوم على عمليّات حساب معقّدة. فالجهاز العصبي يمكن اعتباره حاسوبا
طبيعيّا أو جهازا محوسبا (حوسبة طبيعيّة). وهذا ما تركّز عليه بعض النظريّات
اللسانية مثل النحو التوليديّ معتمدة على احتذاء ما يحدث في الحاسوبيّة من
اكتشافات ونماذج حاسوبيّة. لنتصوّر مثلا لاعب كرة السلّة يقرّر رمي الكرة في
السلّة من مسافة بعيدة؛ هذا الأمر يتطلّب قيام المخ بعمليات دقيقة لاحتساب المسافة
واتجاه الرمية ومقدار القوة العضلية اللازمة لتصيب الكرة الهدف بنجاح.
ب- تحديد أوّليّ لمفهوم الحوسبة في
ضوء علاقته باللغات الطبيعيّة:
نخلص من محاولة تعريف مصطلح الحوسبة في علاقتها باللغات الطبيعيّة إلى جملة
من الملاحظات :
·
الحوسبة مفهوم يتردّد بين تصوّرين مختلفين: حوسبة
صناعية يمثل الحاسوب نمطها الأعلى وحوسبة طبيعية يمثل الدماغ نمطها الأعلى.
·
مفهوم الحوسبة لا يمكن استيعابه إلا من جملة من المفاهيم
الأساسية التي تمهّد له وهي تتعلّق بالحاسوب وطرق اشتغاله.
·
مجالات الحوسبة هي التي تحدّد النمط المطلوب من
الحوسبة. وفي مجال اللغات الطبيعيّة تمثّل اللسانيات الحاسوبية هي الاختصاص الأبرز
الذي يدرس حوسبة اللغة. وهو يربط بين مجالي اللسانيات والحاسوبيّة ويحدد الجوانب
اللغوية التي تقبل الحوسبة ويستثمر الآليات التي يمكن للحاسوبية أن تعالج بها
الكلام. فما هي المجالات التي تقبل الحوسبة في اللغات الطبيعية لنحدّد نمط الحوسبة
المطلوب في معالجة معطيات اللغة الطبيعية؟
·
الحواسيب لا تعتمد على نفس الطريقة في معالجة المعلومات
وحوسبتها. فطريقة حوسبتها للمعطيات متعدّدة. و الحاسوبية علم متطوّر باستمرار
ويشهد تغييرات مستمرة في المفاهيم والنظريات والتطبيقات ولذلك يختلف تصوّره
للحوسبة من مرحلة إلى أخرى.
·
لكل علم طريقته في تصوّر العمليات الحاسوبية.
فاللسانيات البيولوجية لها تصوّر خاصّ للحوسبة الطبيعيّة في المخّ والبيولوجيا
نفسها تقدّم تصوّرا عصبيّا مختلفا ومهندسو الحاسوب يقدّمون تصوّرا آخر مختلفا
للذكاء الصناعيّ، ورغم كل ما يجمع بين هذه المجالات من تبادل للمفاهيم والتأثير
فإنّ تصوّر كيفيّة اشتغال الحوسبة وما تعتمد عليه من عمليات حسابيّة خوارزمية
ومنطقية وعصبيّة يبقى خاضعا لمقاربات مختلفة بين اللسانيات والذكاء الصناعيّ
والبيولوجيا.
3- تكامل بين
الأصل الرياضيّ والأصل التقنيّ لمصطلح الحوسبة:
يطرح هذان الجذران أصل مصطلح الحوسبة بين الحساب والحاسوب. وإذا ربطنا ذلك
باللغات الطبيعيّة فإنّنا نتساءل؛ هل تعني حوسبة اللغة الطبيعيّة عمليات عدّ
وإحصاء رياضي لمعطيات اللغة الطبيعيّة (لسانيّات إحصائية/لسانيّات رياضيّة) أم
تعني حوسبة اللغة الطبيعيّة باستخدام تقنيات الحاسوب في معالجة معطيات اللغة
الطبيعية الكثيرة بتخزينها وتصنيفها واستعادتها وإحصائها والمقارنة بينها (لسانيات
حاسوبيّة)؟
بالعودة إلى هذين الأصلين؛ الحساب والحاسوب، لا نجد أنّها منفصلين تماما
لأنّهما ليسا أمرين مختلفين ذلك أنّ الحاسوب في أصل وضعه اعتمد على عمليات رياضّية
حسابيّة تُعرف بالخوارزميّة. فالحاسوب آلة تقوم في تصوّرها التقليدي على منطق
الحساب العددي. لأن منطلق اختراع هذه الآلة (الحاسوب) هو الاعتماد على خوارزميات
رياضية تساعد على القيام بعمليات عدّ معقّدة جدا لا طاقة للإنسان بها. وهي عمليات
سريعة ومترابطة ومعقدة وقائمة على نظام رياضي مسبق (خوارزميّات) يزوّد به الإنسان
الآلة (أي يبرمجها) ثم يطلب منها حلّ ما يعرض له من مشكلات بواسطة تلك الخوارزميّات.
هذان التصوّران للحوسبة (من الحساب/من الحاسوب) لا يقدّمان لنا تصوّرا
دقيقا لمفهوم الحوسبة كما هو مستخدم في علم اللسانيات وفي العلوم الحديثة بل
يقدّمان لنا فقط المنطلق والأصل الذي جاءت منه التسمية. ولذلك هما أصلان لا
يتناقضان ولا يمثّل الاكتفاء بأحدهما انحرافا عن فكرة الحوسبة لأنّهما يقدّمان لنا
جزءا من تاريخ المفهوم وهو جزء صغير ولا يعبّر عن التطوّرات الكبيرة التي شهدتها
الرياضيّات (بما في ذلك فرع علم الحساب) والتطوّرات المتسارعة التي تشهدها صناعة
الحواسيب. ولذلك يتّسع مفهوم الحوسبة يوما بعد يوم لقضايا حديثة ويستوعب نظريات
جديدة ويطرح أسئلة وآفاقا متجدّدة في مختلف العلوم الصحيحة والإنسانيّة
والعرفانيّة.
ليس من السهل أن نفصل في البحوث اللسانيّة بين هذين الأصلين. ولنا في النحو
التوليدي خير مثال؛ فتشومسكي يتناول في نظريته التوليديّة ما يمكن أن نسميه
الحوسبة الطبيعيّة (العمليات الحسابيّة التي تحدث في الذهن فطريا لتتولد الجمل
الصحيحة نحويّا) لكن بأيّ وسيلة يقدّم لنا هذه الحوسبة الطبيعيّة؟ إنّه يقتدي
بطريقة الحاسوب في الاشتغال من خلال ما يقده في تصوّره النظري من عمليات شبه
رياضية قائمة على مدخلات ومخرجات.
ويمكن أن نخلص من خلال تكامل هذين الأصلين لمفهوم الحوسبة (الحساب/الحوسبة)
إلى أنّ عمليّة حوسبة اللغة الطبيعيّة ليست عملية بسيطة ولا هي ترتبط باختصاص واحد
بل هي ترتبط بتصوّرات مختلفة منها ما هو بيولوجي ومنها ما هو حاسوبيّ ومنها ما هو
رياضيّ ومنها ما هو منطقيّ لكنها تألف في خطّين متقابلين: حوسبة طبيعية
(computation) تتخذ المخ نموذجا أعلى لحدوث عمليات الحساب والعدّ بطريقة
عصبيّة، وحوسبة صناعيّة (computing) تتخذ
الحاسوب نموذجا أعلى لتمثيل عمليات خوارزميّة رياضيّة وصيغ منطقيّة قائمة على
تمثيلات صوريّة. لكن علينا أن لا ننسى أن
الحوسبة الطبيعيّة كثيرا ما التجأت إلى الرياضيات والمنطق الصوريّ لتمثيل العمليات
العصبيّة (النحو التوليديّ) وعلينا أن لا ننسى كذلك أنّ الحوسبة الصناعيّة استفادت
من اكتشافات العلوم الطبيعيّة المتّصلة بالمخّ لتطوّر الذكاء الصناعي وأجهزة
الحاسوب. فلا يمكن أن نتصوّر العلم المعاصر قادرا على الفصل بين هذين النموذجين من
الحوسبة لأنّ بينهما تكاملا إبستيمولوجيا واتّصالا وثيقا.
ضمن هذا التردّد بين الأصلين لا يمكن أن نفهم "الحوسبة" في
تعقيداتها ومختلف مجالاتها المتّصلة باللغة الطبيعيّة دون أن نستوعب قبل ذلك
مجموعة من المفاهيم المستمدّة من علوم مختلفة منها ما هو إنسانيّ (اللسانيّات، علم
النفس) ومنها ما هو طبيعي (البيولوجيا علوم الأعصاب) ومنا ما هو صوريّ
(الرياضيّات، المنطق) ومنها ما هو تقنيّ (الحاسوبيّة، الذكاء الصناعيّ،
السيبرنطيقا) ومنها ما يجمع بين تلك الاختصاصات (العلوم العرفانيّة). لكنّنا سنركّز في درسنا على ما تطرحه الحوسبة من مفاهيم حاسوبيّة ولسانية وصوريّة
دون التركيز على المفاهيم العصبيّة. فهي العتاد الأوّلي الذي نتسلّح به لاستيعاب
مفهوم الحوسبة في وجهتها الصناعيّة المتصلة بالحاسوب. ومنها نتطرّق إلى القضايا
المتّصلة بتعامل الحاسوب مع اللغات الطبيعيّة، وخاصّة اللغة العربيّة.
4- المفاهيم الأوّليّة المساعدة
على فهم متصوّر "الحوسبة" في علاقته باللغة العربيّة:
لا شكّ أن اللساني إذ يهتم بمفهوم الحوسبة في وجهته الصناعيّة لا بدّ له من
حدّ أدنى من الثقافة الحاسوبية فيعرف طريقة اشتغال الحاسوب والطريقة التي يتعامل
بها مع بيانات اللغة الطبيعيّة وكيف تحدث عمليّة البرمجة وكيف يتمّ التعرّف على
الصوت الطبيعيّ وتأويله. ويمكن أن ننتخب جملة من المفاهيم المتّصلة باللسانيّات والحاسوبية
والذكاء الصناعي لكي ننطلق منها ونمهّد بها لشرح مفهوم الحوسبة في علاقته باللغات
الطبيعيّة:
·
الحوسبة (computation) ظاهرة
طبيعيّة تحدث في الذهن/الدماغ :
دماغ الإنسان هو حاسوب طبيعيّ يمثّل
مركز الجهاز العصبيّ وفيه تحدث عمليّات حسابيّة دقيقة للتحكّم في سائر الوظائف في
جسم الإنسان وحياته النفسيّة فهو يصدر الأوامر ويخزن المعطيات ويحلل البيانات التي
تزوّده بها مختلف الأعصاب. أثناء النشاط اللغويّ تحدث في الدماغ عمليّات عصبيّة
معقّدة يمكن قياسها عن طريق تحديد مناطق للنشاط العصبيّ. وهي عمليّات تؤوّل وتفهم
وتحلّل وتتذكّر وتربط وتترجم ما يصل إلى الذهن وما يصدر عنه عن طريق الكلام أو
الاستماع أو القراءة، ولذلك عدّ النشاط العصبيّ في الدماغ نشاطا حوسبيّا ويمكن
رصده من خلال قياس ما يحدث
في الدماغ من نشاط عصبيّ أثناء كلّ عمليّة
ذهنيّة؛ وكلّ نشاط عصبيّ يمثّل نشاطا حوسبيّا.
·
طريقة اشتغال الحاسوب:
الحاسوب لا يفهم اللغة العربيّة ولا يستطيع الكلام ولا الفهم ولا الكتابة.
إنّه في النهاية آلة خاضعة لذكاء الإنسان وقدرته على التحكّم فيها وتوظيفها. ولذلك
ينبغي أن نعرف أن سؤال "كيف يتعامل الحاسوب مع اللغات الطبيعيّة؟" يساوي
في حقيقة الأمر سؤال: "كيف يستطيع الإنسان بذكائه توظيف آلة الحاسوب لتتعامل
مع اللغة الطبيعية تأويلا وتذكّرا وقراءة وكتابة وترجمة؟". للإجابة عن هذا
السؤال ينبغي أن نقدّم بسطة حول طريقة اشتغال الحاسوب التي انتهى إليها بعد تاريخ من
التطوّر منذ منتصف القرن 20م. لأنّ ذلك سيمكّننا من فهم كيفيّة معالجة الحاسوب
للمعلومات المتّصلة باللغات الطبيعيّة.
مفهوم الحاسوب أوسع بكثير ممّا يعتقد عامّة الناس
أنهم يعرفونه. فهو آلة مادّيّة ذكيّة تقبل البرمجة تقوم بتنفيذ الأوامر التي تصلها
في شكل عمليّات حسابيّة معقّدة تصاغ في قالب خوارزميّات. والحاسوب عموما يتكوّن من جزئين أحدهما جزء مادّي وهو المعدّات hardwae والثاني جزء مجرّد وهو البرمجيّات التي تشغّل تك المعدّات المادّيّة وتمثّل متوالية من
الأوامر والتوجيهات في قالب خوارزميات رياضيّة software.
I- المعدّات المادّيّة: hardware : وهو العتاد المادّي للحاسوب ويتكوّن
من ثلاثة أقسام رئيسيّة:
1- المدخلات input : هي كلّ الأدوات المادّيّة التي تُدخِل إلى عقل
الحاسوب الأوامر والمعطيات وتوصل إليه كلّ ما يحتاجه للقيام بحساباته المعقّدة (مثل
الفأرة ولوحة الأزرار وقارئ القرصCD والمصدح ومفتاح USB وجهاز السكانار...).
2- جهاز المعالجة المركزيّ : وهو يتكوّن أساسا من ذاكرةmemory تقوم
بتخزين المعلومات وتنظيمها لكي تسهل
العودة إليها، ومعها نجد أهمّ مكوّن وهو جهاز المعالجة processor وهو العقل المدبّر لعمليّات الحساب المعقّدة
معتمدا على ما تتيحه له تلك الذاكرة من معلومات.
3- المخرجات output : وهي تتعلّق بنتائج تلك العمليّات
الحوسبيّة المعقّدة وتكون عادة في شكل شاشة لقراءة نتائج المعالجة وقارئ صوت وآلة
طابعة.
II- البرمجيّات software: كلّ حاسوب
يحتاج إلى نوعين من البرمجيّات؛ الأوّل هو نظام التشغيل وهو برنامج يمكّن
الحاسوب من أن ينطلق في العمل وينفتح وينغلق ويخزّن المعلومات ويقبل تنصيب البرامج
الجديدة. ولذلك كلّ حاسوب مهما كان فارغا من أيّ معلومة يحتاج إلى نظام تشغيل مثل windows حتى لا يكون مجرّد آلة مادّيّة صمّاء لا
تقوى على حساب شيء. أمّا النوع الثاني فهو البرامج الحاسوبيّة اليت تكون
لها مهمّة محدّدة ضمن الحاسوب (لعبة، كتابة النصوص، معالجة الصور، قراءة الفيديو،
الاتّصال ... ) وهي برامج أكثر من تحصى ويمكن تحميلها وإزالتها في كل لحظة بحسب
احتجنا إليها (office,
skype, facebookLite...).
·
الذكاء الصناعي مجال أوسع من الحاسوبيّة :
ما هو الذكاء الصناعيّ؟ هو مجال أوسع من الحاسوبيّة ويتطلّب جزئين: الحاسوب
والآلة. فتكون الآلة قادرة على التصرّف بذكاء بحسب تعليمات الحاسوب المدمج فيها.
وقد جاء في موسوعة العلوم العرفانيّة أنّ الذكاء الصناعي تتقاسمه نزعتان بينهما
تكامل: الأولى تعتبر الذكاء الصناعي فرعا من فروع
الهندسة (هندسة حاسوبيّة) يهتم بإنشاء آلات ذكية، والثانية تعتبر الذكاء الصناعي
علما تجريبيّا يقوم على النمذجة الحسابية للذكاء البشري، أي تقليده في شكل خوارزميّات
رياضيّة وبرامج حاسوبيّة تلحق بالآلة وتحاكي قدرات البشر العقليّة. وقد
سيطرت وجهة النظر الأولى على الذكاء الاصطناعي الحديث، بينما أعادت العلوم
العرفانيّة الاعتبار للتصوّر الثاني.
لكن الفجوة بين التصوّرين لم
تعد عميقة كما كانت سابقا، لأنّ الذكاء الصناعي يستفيد من الذكاء البشري ومن
البحوث التجريبيّة التي تحدّد آليّاته في علوم الأعصاب ثمّ يعود ليحاكيه ويقلّده
في شكل "ذكاء حسابي" (Computational Intelligence)
يقع توظيفه في صناعة الآلات الذكيّة والروبوت وأجهزة التحكّم بما في ذلك توظيف
معارفنا العصبيّة حول اللغات الطبيعيّة لتحاكيها الأجهزة في إنتاج الصوت وتأويله
وتقويم النطق وترجمة الكلام...ضمن هذا المجال يقع توظيف الحاسوب لا باعتباره مجرد
أداة منزليّة ذات شاشة ولوحة أزرار للكتابة والإبحار في المواقع بل باعتباره عقلا
صناعيّا مدمجا في الآلات لبناء نماذج آلات الذكاء الصناعي بهدف الإنتاج الصناعيّ
والبحوث واستكشاف الفضاء والطب والتعليم والخدمات وصناعة الأسلحة... وغيرها من
المجالات.
·
اللغات الصناعيّة واللغات الطبيعيّة:
هناك فرق بين اللغة التي يفهمها البشر (طبيعيّة)
واللغة التي يفهمها الحاسوب (صناعيّة/لغة برمجة). فالبشر يتواصلون بينهم بواسطة
اللغات الطبيعيّة ذات النحو والصرف والمعجم والدلالة. وليس من الضروري أن يتلقى
المتكلّم تكوينا في النحو لكي يحذق التواصل مع من حوله بلسانه الأم؛ فلا الإنسان
في العصر الجاهلي قبل نشأة النحو العربي ولا الطفل اليوم قبل أن يلتحق بالمدرسة
يعرفان شيئا عن قواعد تركيب الكلام لكنّهم يتواصلون. فالعقل البشري قادر على إنتاج
الكلام وفهم معانيه وتأويل دلالة الأصوات بشكل يطابق نظام اللغة المخزّن في ذاكرته
اللغويّة.
في المقابل لا يستطيع الحاسوب التعامل باللغة
الطبيعيّة، ولن نقدر على التواصل معه إلا في حال واحدة وهي أن نزوّده بمدخلات (input) في شكل برامج حوسبية ذكيّة
تشكلن تلك اللغة فتعطيه أوامر وتخطيط مفصّل لكيفية تخزين المعلومات وتبويبها
وكيفية تحويل الأصوات المسموعة إلى كلمات ومعان وتراكيب. ولكي نأمر الحاسوب بذلك
نحتاج إلى لغة صناعيّة يصنعها البشر وهي التي تخاطب الحاسوب بالرموز الرياضيّة
فيفهمها لأنّها قائمة على نحو خاصّ يختلف عن الألسنة الطبيعيّة ويفهمه الحاسوب
ويتفاعل معه.
توجد لغات برمجة (صناعيّة) كثيرة يمكن أن يفهمها
الحاسوب بشرط أن نزوّده ببرنامج (software) يمكّنه من
التعرّف على دلالات رموزها وفهم أوامرها وتنفيذها بدقّة. فمثلا لو أردنا من
الحاسوب أن يكتب نصّا أدبيّا فينبغي أن نزوّده ببرنامج Word أو أيّ برنامج آخر لكي يتسنّى له القيام
بهذه المهمّة. ولو أردنا مثلا أن نبرمج صفحة أنترنات لاخترنا لغة برمجة صناعيّة
مثل لغة البرمجة HTML وهي لغة
ترميز codage تقوم
على مجموعة رموز للمهام التي سيقوم بها
الحاسوب وهو قادر على فهمها وتحويل الأوامر التي يرسلها المبرمج إلى صفحة أنترنات.
وفي هذا الجدول يمكن أن نذكر أشهر رموز هذه اللغة الصناعيّة (لغة البرمجة)
المستخدمة في إنشاء مواقع الأنترنات :
|
رمز
نهاية الأمر الموجّه إلى الحاسوب
|
المهمّة
|
رمز
بداية الأمر الموجّه إلى الحاسوب
|
|
</HTML>
|
تحديد البداية أو
النهاية لأوامر
|
<HTML>
|
|
</HEAD>
|
إنشاء رأس الصفحة
|
<HEAD>
|
|
</TITLE>
|
عنوان الصفحة في شريط
الموقع
|
<TITLE>
|
|
</BODY>
|
محتويات الصفحة
|
<BODY>
|
|
</CENTER>
|
جعل النصّ في الوسط
|
<CENTER>
|
|
</B>
|
جعل الخطّ أسود عريضا
|
<B>
|
نلاحظ أنّ لغة البرمجة قائمة على رموز مستمدّة من
اللغة الطبيعيّة (HEAD BODY…) الرياضيّات (< / >). وسبب ذلك أنّ الحاسوب يفهم كل مجموعة رموز
على أنّها تناسب أمرا تنفيذيّا محدّدا. ولكي يفهم الحاسوب هذه اللغة ينبغي أن
ننزّل فيه برنامجا حاسوبيّا يمكّنه من التعرّف على نحو دلالات هذه الرموز فيقوم
بترجمتها إلى صفحة تحتوي على عناوين وصور وفيديوهات وصوت.... هذا الأمر يشبه أن
تطلب من السائق (مثل الحاسوب) أن يمتثل لعلامات المرور (امتثال الحاسوب لأوامر في
شكل خوارزميّات) ولكن قبل ذلك عليك أن تعلم السائق ما تدل عليه تلك العلامات codes (تنزيل برنامج يمكّن الحاسوب من التعرف على
دلالات الكود/ رموز تشفير الأوامر).
لنأخذ مثالا يتعلق بلغة ترميز صناعيّة. فلو طلبنا من
الحاسوب بلغة HTML المعروفة أن ينشئ في أعلى صفحة جديدة خانة لتسجيل
أسماء المستخدمين لتظهر على الشكل التالي في شاشة الحاسوب:
ينبغي حينها للمبرمج أن يثبّت في الحاسوب برنامج
قراءة هذه اللغة الصناعيّة HTML ثم يخاطب
الحاسوب عبر محرّر النصوص بهذه الجملة (كود/ترميز) التي يفهمها بنفس اللغة HTML فيكون
خطابه للحاسوب كالآتي:
|
<html>
<head>
<title>
أدخل الاسم:</title>
|
عندئذ سيقوم الحاسوب بإنشاء صفحة
جديدة تطابق هذا الأمر وتظهر للمستخدمين كما في الجدول الأوّل. إنّ لغات البرمجة
لغات صناعيّة يخترعها الحاسوبيّون لمخاطبة الحاسوب؛ ومن الملاحظ أنّها كثيرة
ومختلفة، فبعضها معقّد وبعضها بسيط وبعضها متشابه. ولو نظرنا في إحصائيات المواقع
المهتمّة بالبرمجة حولل أكثر اللغات طلبا للتعلم في الأنترنات سنة 2019 لوجدنا
أشهر ستّ لغات برمجة مستخدمة ضمن عشرات اللغات المستخدمة من قبل المبرمجين:
·
البيانات الرقميّة والخوارزميّات ضروريّة لحدوث عمليّة الحوسبة:
الحاسوب يختزن في برمجيّاته قدرة على التعامل مع المعطيات. وإذا طلبنا منه
أمرا عاد إلى الحلول المخزّنة عنده ليقوم بتطبيقها بطريقة سريعة ودقيقة. لو طلبنا
منه أن يحصي عدد مرات استخدام كلمة "علم" في مقدّمة ابن خلدون، فكيف
يعالج الحاسوب ما نطلبه منه؟ إنّه في البداية يحتاج إلى ذاكرة تخزّن المعطيات التي
سيعالجها ولذلك يحتاج أن ندخل إليه مقدّمة ابن خلدون في ذاكرته في شكل نصّ رقميّ
فهو لن يبحث في الفراغ، بل في قاعدة بيانات رقميّة. ولو طلبنا منه عبر لغة برمجة
محدّدة (python,
html, C++, java…) أن يشرح
لنا معنى كلمة "علم"، فإنّنا سنحتاج قبل أن نطلب منه ذلك أن يخزّن قائمة
مفهرسة للكلمات العربيّة وعددها 12,302,912 (تقريبا 12مليونا و300ألف كلمة) مع شرح بسيط
لكل كلمة وربط دقيق بين كل كلمة وتعريف المعاجم العربيّة لها. عندها يمكن أن
يستخرج لنا الكلمة المطلوبة وأمامها قائمة تعريفات المعاجم العربيّة لها.
لذلك يحتوي الحاسوب على قواعد بيانات ولا يستطيع أيّ برنامج أن يشتغل إلا
عبر قواعد بيانات يقع إدخالها له بوصفها معلومات أوّليّة يعالجها البرنامج
الحاسوبيّ. وكذلك الأمر بالنسبة للغة الطبيعيّة لا يستطيع الحاسوب أن يتعرّف عليها
إلا إذا أدخلناها إليه في شكل قواعد بيانات مفهرسة ومرتبة ليسهل عليه البحث عنها.
ومن الملاحظ أن قواعد البيانات تخزّن في شكل مشفّر فهي رموز تخزّن في قالب بيانات
رقميّة تتكوّن من الرقمين 0و1، والحاسوب قادر على تخزين مليارات المعلومات التي
يرمز لها بهذين الرقمين في ذاكرته. ويمكن أن نمثّل لذلك بهذا المثال حيث يتلقى
الحاسوب قاعدة خوارزميّة بلغة برمجة ذات رموز. فكيف سيخزّن تلك القاعدة في شكل
بيانات رقميّة؟ هذا ما يوضّحه الجدول:
|
كتابة رموز البيانات بلغة
البرمجة (خوارزميّة)
|
الحاسوب يترجمها من رموز إلى
صيغة رقمية
|
البيانات الرقمية المخزّنة
|
|
if a<b
do while
a=x-y
|
←
|
11011001
00010111
10101011
|
إنّ المعلومات
اللغويّة كما توجد في اللغات الطبيعيّة لا يمكن أن يفهمها الحاسوب كما هي، لذلك
يحتاج اللسانيّ إلى ترتيبها وفهرستها وإعادة صياغتها في قوالب شكلية قابلة للصياغة
الصوريّة بلغة البرمجة. وحين تكون المعلومات حول اللغة العربيّة جاهزة يقوم
المبرمج بمخاطبة الحاسوب عبر لغة برمجة محدّدة فيدخل إليه تلك المعلومات اللغويّة
وفق خوارزميّات. والخوارزمية (algorithm) هي مجموعة محددة من الخطوات المنطقيّة قائمة على معدلات حسابية
تحدد المنهج المطلوب لحل مشكلة معينة في الرياضيّات، وهو اسم مشتق من اسم محمد بن
الخوارزمي الذي أسس المنهج الرياضي لحل المسائل الحسابيّة.
فوظيفة الخوارزميّات هي نقل المعلومات إلى الحاسوب
حول معطيات اللغة الطبيعيّة بشكل رياضي مجرّد فتبيّن له مثلا ترتيبها (أبجديا)
وطريقة تنظيمها (جداول) وأنواع الكلمات (اسم/فعل/حرف) وجذرها (قائمة الجذور وما
يحمله كل جذر من كلمات)وكيف ترتبط كل كلمة بأخرى (قائمة المشتقات من كل كلمة)
وقائمة الكلمات المرادفة لكلّ كلمة ومختلف المعاني المرتبطة بكل كلمة. عندها يحوّل
الحاسوب كل تلك المعلومات والعلاقات والأصناف في الخوارزميّات إلى بيانات رقميّة
بواسطة الرمزين (0/1) ويقوم ببرمجة طريقة للبحث عن كلّ هذه المعلومات بواسطة محرّك
البحث مستفيدا من الترتيب الذي قدّمه له اللسانيّ فيسهل على البرنامج رياضيّا أن
يستعيد أي المعلومة (البيانات data ) ويبحث عنها ويؤلفها مع بيانات أخرى ويقارن بينها وينشئ لها جداول
جديدة في شكل مخرجات على شاشة الحاسب،كلّ ذلك في أجزاء قليلة من الثانية
(الثانية=100لحظة). لهذه الأسباب فإنّ معالجة معطيات اللغة الطبيعيّة وجعلها في
أشكال قابلة للحوسبة ليس عمل الحاسوبيّ فقط بل هو قبل ذلك من صميم عمل اللسانيّ.
·
المعالجة الآليّة للغات الطبيعيّة:
تعني المعالجة الآليّة للغة الطبيعيّة أن يتولّى الحاسوب التعامل بذكاء مع
الكلام البشري بترجمته أو كتابته أو تحليله أو تصويب أخطائه أو التعرّف على الخطّ
أو فهم دلالته... وقد رأينا أنّ الحاسوب لا يمكنه أن يتعامل مباشرة مع اللغة
الطبيعيّة كما ينطقها البشر إلا عبر برامج تحوّل معطيات اللغة الطبيعيّة إلى
بيانات يقع إدخالها إليه عبر تشفيرها بواسطة لغات البرمجة (اللغات الصوريّة) ثم
يتولّى الحاسوب التعامل مع تلك البيانات بشكل ذكيّ. من هنا برزت محاولات صياغة
معطيات اللغة الطبيعيّة صياغة صوريّة في شكل برامج حاسوبيّة تجعل تعامل الحاسوب مع
اللغة تعاملا آليّا لا يحتاج وساطة البشر. ويمكن أن نمثّل لذلك بمثالين من أنواع برامج المعالجة الآليّة
للغة الطبيعيّة :
-
الترجمة الآليّة (Automatic translation) : لا يمكن للحاسوب أن يستمع إلى رجل
يتكلّم بلسان عربيّ ويقوم مباشرة بترجمة كلامه إلى لسان ثان مثل الانجليزيّة. لكنّ
الحاسوب في المقابل يمكن أن يقبل برنامجا حاسوبيّا يجعله يتعرّف على النصوص
الرقميّة المكتوبة
بصيغة Word ثمّ يقوم بترجمتها بصفة
تلقائيّة (آليّة) إلى لسان آخر. من ذلك برنامج الترجمة الآليّة في موقع غوغل "google traduction"، فهو برنامج مصمم للتعامل بصفة آليّة
مع النصوص الرقميّة فيقوم بترجمتها.
https://translate.google.fr/
ومهما كان اعتراضنا على كفاءة البرنامج في الترجمة فإن المهمّ هو تسجيل
ملاحظتين؛ الأولى أن البرنامج لا يتعامل مع اللغة كما تنطق بل بعد تحويل نصوصها
إلى نصوص رقميّة والثانية
أنّ البرنامج يترجم بصفة أليّة ولا يتدخّل البشر في تلك الترجمة فهي آليّة.
-
التعرّف الصوتيّ: (Voice recognition) يمكن للحاسوب أن يتعامل بصفة آليّة مع
الكلام المنطوق، فيعيد كتابته آليّا على الشاشة. ولكنه يحتاج قبل ذلك إلى تزويده ببرنامج
حاسوبيّ قادر على التعرّف على الأصوات البشريّة فيتقبّل الصوت البشري ويعيد ترميزه
ليلائم الحروف المسجّلة لديه في ذاكرته ثم يشرع في تحويل ما سجّله من أصوات إلى
كلمات مكتوبة.
·
اللسانيّات
الحاسوبيّة computational
linguistics:
فرع من الدراسة اللسانيّة يجمع بين معارف اللسانيّات وتقنيّات الحاسوب، وهو
اختصاص ينتمي إلى العلوم العرفانيّة ويمثّل أحدث اتّجاهات اللسانيّات ويتعلّق
بمعالجة اللغة الطبيعيّة بواسطة برامج الحاسوب مع الاستفادة من مختلف العلوم
كالمنطق والرياضيات والحاسوبية والذكاء الصناعيّ... هذا الفرع يستوعب كلّ المفاهيم السابقة الذكر. ويمكن أن نجد ضمنه اتجاهين كبيرين: أوّلها
الدراسة الإحصائيّة للمعطيات اللغويّة والقيام بعمليّات حسابيّة دقيقة لدراسة
خصائص الكلام والنصوص في اللغات الطبيعيّة. وثانيها تصميم برامج
حاسوبيّة للتعامل مع اللغة الطبيعيّة من جهة الكتابة والتعرف الصوتي والترجمة الآليّة
وتخزين المعطيات وصناعة المعاجم الالكترونيّة وتحليل البيانات.
خلاصة الدرس:
لكي نحوسب معطيات اللغة العربيّة ينبغي أن نحوّل معطياتها إلى بيانات
مجرّدة في شكل خوارزمات بواسطة لغات البرمجة الصناعيّة وهي اللغات الوحيدة التي
يمكن للحاسوب أن يفهمها ويحوّل أوامرها إلى نتيجة على شاشته. ولذلك لا مفرّ من
اكتساب ثقافة أساسيّة بخصوص كيفيّة اشتغال الحاسوب واللسانيّات الحاسوبيّة وشكلنة
معطيات اللغة الطبيعية وفهرستها تمهيدا لحوسبتها.
|
أهمّ المفاهيم المحيطة بحوسبة اللغات الطبيعيّة
|
|
الحاسوب
|
اللغة الطبيعيّة
|
المحتوى الرقمي
|
الحساب
|
الخوارزميّة
|
البرنامج
|
قواعد البيانات
|
|
الحاسوبيّة
|
اللغة الصناعيّة
|
الصورنة
|
المعالجة
|
الفهرسة
|
المحلّل الصرفي
|
التصميم
|
|
الذكاء الصناعيّ
|
البرمجة
|
الخوارزميّة
|
المعالجة الآليّة
|
الترجمة الآليّة
|
التعرّف الصوتي
|
القارئ الآليّ
|
بعض مجالات حوسبة
اللغات الطبيعيّة